Admin Admin
المساهمات : 105 تاريخ التسجيل : 06/03/2009
| موضوع: عيد أم على الطريقة الفلسطينية الثلاثاء مارس 10, 2009 7:15 am | |
| غزة-دنيا الوطن
رغم الخراب، والحزن الكبير الذي يختلج في صدور الكثيرين، ومقارعة سيارات عسكرية إسرائيلية، تجوب شوارع رام الله الفرعية بين الحين والآخر، إلا أن وروداً جميلة بمختلف الألوان انعكست على صور الشهداء الملصقة على الجدران بمناسبة عيد الأم.
فطلاب المدارس والكثير من الناس يشترون الورود ويقصدون المحلات التي أعيد ترميمها، بعد قصفٍ إسرائيلي عشوائي، يبحثون عن مساحة صغيرة للفرح ويتذكرون من يعز عليهم بهدية أو بأخرى.
أم خالد، التي تسكن وأسرتها في بيت بسيط في منتصف مدينة رام الله، كانت تعرف أن منصور لن يعود، فحس الأمومة دفعها إلى المستشفى الحكومي تسأل عنه، وهي لم تكن متأكدة بأن الشاب الذي رأته في بث مباشر من التلفزيون هو ابنها، وهذا ما نفاه جميع المعارف المتواجدين في المكان، لتتأكد بعدها أنه منصور.
أم الشهيد منصور سليمان أجابت على سؤال حول تاريخ استشهاده، وكأنها تجيب عن أحجية ما، "راح قبل ثمان سنوات أو أربع، والله ما بعرف "، وطلبت من ابنها احمد أن يتأكد من التاريخ عبر الصورة المعلقة في الصالة، حينها قطعت ذهولنا، فكيف لأم لا تدري متى فقدت عزيزها، مستدركة "أحيانا أحس أن الزمن طويل، وبحكي إنه منصور استشهد قبل سنين طوال، وأحيانا بسمع صوته بين إخوته السبعة، وبنادي كل واحد منهم بمنصور، فينبهوني، وأحس أنه اختفى من يومين أو شهرين".
منصور الشهيد لم يكن يتذكر أمه في عيدها فقط، فكل يوم، عندها عيد حين كان يخصها بحبه، ويغدق عليها بما كان يملك، فكان يبهجها كل يوم بسلوكيات الرجل البالغ، الذي يُعتمد عليه، ولهذا السبب ولآخر تعرفه كل الأمهات، كان لمنصور معزته الكبيرة في قلب أمه، فمنذ استشهاده لا تخلو جلسة من ذكراه، ولا تطبخ (المحشي والبازيلا) إلا والدموع تتساقط؛ وكل ذلك لأنها من أكلات منصور المفضلة، أما ملابسه فلا يجرؤ أحد على لمسها؛ تجنباً لغضبها، وحذائه المبلل بدمه محفوظ في خزانته.
وإن كانت أم خالد تذرف الدموع عندما تطبخ أكلات الشهيد المفضلة، فأم جهاد من دورا جنوب الخليل، لا تطبخها في البيت خلال غياب أولادها، ردت علينا بصوت يسمع بالكاد: "لي خمسة أولاد، ثلاثة منهم غائبين، أحدهم أبعد إلى إيطاليا، واثنان معتقلان لدى إسرائيل".
لا تبرح أم جهاد بيتها خشية أن يتصل أحد أبنائها، فتفوتها فرصة سماع صوته، والوقوف على أحواله وأخباره، الأخبار التي تحولت إلى بصيص نور تستعيض بها عن عتمة الغياب.
لم يختلف عيد الأم هذا العام على أم محمود، من مخيم الجلزون شمال رام الله، عن أعياد الأعوام الخمس الماضية، فمنذ رحيل زوجها ومعيل أولادها العشرة، لا زالت أمانيها تختصر في أمر واحد، هو أن يتم تثبيتها في وظيفتها المتواضعة في إحدى المؤسسات الحكومية، التي تزاول عملها على أساس عقدٍ فرديٍّ مؤقت، فراتبها الضئيل بالكاد يكفي لإعالة الأسرة، التي تسكن في منزل مكون من غرفتين يتكدس فيهما أبناؤها العشرة.
وتتقاسم أم محمد المصرية الأصل مع الفلسطينيات هموم مواجهة أعباء الحياة والظروف الصعبة التي تمر على المجتمع الفلسطيني، فمنذ أكثر من عشرة أعوام وهي تقف كل صباح عند مدخل سوق البيرة المركزي، تبيع ما تيسر من سلع خفيفة مختلفة، لتحمل إلى أطفالها الستة قوت يومهم، خاصة وأن زوجها المريض عاطل عن العمل منذ أمد بعيد، فالعمل بالنسبة لها، على مشقته، أفضل من انتظار صدقات الناس.
ليس هناك من رواد سوق خضار رام الله "الحسبة" من لا يعرف الحاجة غزالة، التي تلملم من حاكورة بيتها في قرية بيت عنان القريبة من رام الله (النعنع، البقدونس، الجرجير .
.وما شابه)؛ لتعرضه على رواد السوق بحيوية وبشاشة، ورغم كل معاناتها لدى عبورها الحاجز الإسرائيلي جيئة وذهاباً، إلا أنها تفضل القليل الذي تكسبه بعملها بين أبناء شعبها، محتفظة بكرامتها، على الكثير الذي ممكن أن تكسبه من عمل في بيوت ومزارع الإسرائيليين بمذلة.
تعددت أشكال الاحتفال والعيد واحد، فمنهم من يحمل الورد إلى أمه، ومنهم من يحمل الهدايا، وهناك من يتذكر أمه التي لم تعد بين الأحياء، فيقرأ على روحها الفاتحة.
وفي مثل هذا اليوم يمضي العيد في كثير من البلدان حافلاً بالبهجة والسرور كما عادة العيد أن يكون، ولكنه في فلسطين كان مشحوناً بالحزن، فقليلة هي البيوت التي لم يعتريها الأسى، فهنا شهيد وهناك أسير أو جريح، وفي زحمة أيام القلق والحداد لا يجد عيد الأم في بلادنا مكاناً. | |
|