Admin Admin
المساهمات : 105 تاريخ التسجيل : 06/03/2009
| موضوع: عيد مرأة.. أم وعيد؟!...حسين المعاضيدي الإثنين مارس 16, 2009 8:43 am | |
| ات يوم نلت صفعة على يد معلمتي، لا يزال صداها وطنينها في أذني لغاية هذه اللحظة، نتيجة مشاغبتي في صفوف دراستي الأولى، فشعرت بالإهانة، رغم صغر عمري آنذاك، بل وكرهت كل ما يوحي إلى النساء ، فهي المرة الأولى التي تضربني فيها امرأة. هذا الموقف الذي اتخذته من معلمتي أزاحه موقف آخر تعرضت له حينما اعتقلني الأميركان، إذ كان من بين الذين اعتقلوني نساء مجندات، شعرت بالإهانة وقتها، خصوصاً حينما وجدت المجندة هي من تبدأ في ركلي أولاً قبل الجنود من أبناء جنسي، فشعرت بالخزي وأنا أتعرض للضرب على يد امرأة, وشتان ما بين صفعة معلمة، وركلة مجندة، تلك الركلة التي جعلتني أتعاطف مع معلمتي رغم قسوة يدها المتيبسة! موقف آخر أخل بموازين عقلي وجعلني أستزيد من كرهي للنساء، بل وأكره اليوم الذي جمعني بهن في هذه الدنيا، بعد أن طلبت مني إحدى المجندات التعري كنوع من العقاب لطلبي منها شربة ماء، وحينما رفضت التعري بوجودها، ضحكت مني أوعلي، لا يهم، قبل أن تطلب من مجندتين يشاركانها القسوة أن يساعداها في خلع ثيابي عني كنوع من الإذلال، ما جعلني أكره شيئاً اسمه نون النسوة.. هذا الموقف تغلب عليه بسرعة البرق تذكري لهيئة أمي التي حفرت السنون أخاديدها في وجهها، فبتذكري لوجه أمي، هان علي الأمر، على اعتبار أنها من جنس هؤلاء، أقنعت نفسي بذلك فهانت عليّ الإهانة، رغم شعوري بأنني أصبحت، كما يقول إخواننا المصريون (ملطشة) على يد النساء. أركان رجولتي اهتزت حينما شدتني المجندة الأميركية (أنكز) بحبل من رقبتي وسحبتني في زنازين أبو غريب وأنا متعرٍّ بشكل كامل وسط ضحكات زميلاتها المجندات، لأكون عبرة لغيري ممن يفكرون بالسؤال عن جنسية وهوية واسم اليوم الذي نحن فيه، ومع أنني كنت أتبطر على النعمة حينما سألتها عن هوية واسم ذلك اليوم المشؤوم الذي كنا نمر به، أو يمر بنا، لكن ذلك حتى بمعايير المعتقلات والسجون والسراديب لا يستحق أن أصبح بسببه عبرة لمن لا يعتبر، على مرأى من الرجال والنساء الذين كان يكتظ بهم عنبرنا، فكانت إهانة أكبر من أن تغتفر، وأقوى من أن تُحتمل، فقد رأيت في ابتسامتها وهي تجرني, سكيناً تقطع أوصالي، وكلما تذكرت أيام السجن والاعتقال يظل منظر تلك المجندة الشهيرة, وهي تبتسم وتتلذذ وتوغل بإهانتي هو الحاجز النفسي الكبير الذي يقف حائلاً بيني وبين بنات حواء، رغم تيقني أن تلك المجندة هي من نسل الشيطان ولا علاقة لأمِّنا حواء بها. ورغم عظمة المهانة التي تعرضت لها والذل الذي رافقها وكرهي لكل ما يقرب إلى النساء، إلا أنني وحينما شاهدت تلك المرأة التي كانت تشاركني نفس العنبر وكيف أن الجلادين في محاجر أبو غريب يتفننون في إذلالها, طأطأت رأسي ذلاً على ذلي، فقد كانوا يسرفون في تعذيبها وهي ابنة الخامسة والعشرين، حتى أوصلوها لمرحلة تمزيق الملابس، بعد أن مزقوا عقلها وأفقدوها هوية البشر، فكان لا يربطها بالكائن الحي سوى ذلك الاسم الذي كانت تتسمى به إلى جانب صراخ وعويل تذوب من قساوة ظلمه جدران السجون، عدت وقلت إن النساء بينهن الظالمات كـ(أنكز)وبينهن المظلومات كتلك الشابة، وكحالي أنا، عدو النساء اللدود. تذكرت (جانيت) تلك المجندة الأميركية في المعتقل الثقيل، الذي يطلقون عليه تسمية (كانزي)، والذي يحوي كبار الشخصيات في النظام السابق من محافظين إلى وزراء إلى آمري ألوية وقادة فيالق ومعهم أنا، مع أنني لست أياً من هؤلاء.. فهذه المجندة أعلنت الحرب عليّ وصادرت مجموعة من الأوراق التي كتبت فيها بعض المقالات الصحفية التي كنت أنوي نشرها بعد خروجي، والتي حرصت على إخفائها قبل ان تصطادني ذات يوم أثناء جلوسها في برج المراقبة وأنا أكتب إحدى هذه المقالات فصادرت كل أوراقي التي كتبتها خلال ثمانية أشهر، والتي تمكنت من المحافظة عليها بسرية تامة، وكنت أخفيها في ملابسي الداخلية حينما ينقلوني من سجن لآخر، بعد ان سرقت أوراقها وقلمها من أحد المحققين يوماًً دون أن يدري، فمرضت نتيجة ذلك مرضاً شديداً، لأنني كنت أعتبر تلك المقالات ثروة أدبية لو قُدّر لها أن تنشر لما عادلها ثمن، وحينها كرهت الجنس الناعم، وكرهت شيئاً اسمه امرأة. لكني حينما استذكرت ابنة الأعظمية التي كان السجانون من جنود الاحتلال، أو ممن يسمونهم بالشرطة العسكرية يضربونها بقسوة ويضعونها في (القاصة) كما كانوا يطلقون عليها، والتي كانت بهيئة مجمدة أو براد منزلي في الشكل وشدة البرودة والتي تدخلها تلك الفتاة لعدة أيام بلا طعام وبلا نور يصلها، لا لسبب سوى لأنها تبكي أخاها الذي قتلوه أمام عينيها، يوم داهموا دارها قبل أن يأتوا بها إلى ذلك القبر الدنيوي، عدت وأيقنت أن ليس كل النساء في قواميس الحياة سواءً، فبينهن المجندة وبينهن المجمدة، ففتر كرهي للنساء وتراجع. كرهت النساء وكرهت أشكالهن وألوانهن، رغم أنهن مثل (الچفافي، بيهن تخون بساع وبيهن توافي) كما يقول المطرب الريفي العراقي سعدي الحديثي، وكرهي لهن له أسبابه ولا يمكن العبور من فوقه، فكيف لا أكره النساء كلما لاحت ببالي صورة مادلين أولبرايت، وكوندليزا رايس، وهيلاري كلينتون، ومن قبلهن البريطانية تاتشر، سيدات الشر، ورمز البؤس، ونذير الشؤم.. لكن وكلما هزت نوائبي جراح عبير الجنابي, وصابرين، وواجدة أمين العفرية, وغيرهن من العراقيات المغتصبات على يد المحتلين وأذنابهم، تسري في جسدي رعشة كالسائل الكاوي تذيب الصخر الجلمود من حرقتي على بنات ونساء ديني، فارتجف من غيضي, ويعلو قدر نساء بلدي عندي. كرهت النساء لكرهي تلك المترجمة التي كانت أشد علي من سبعين رجلاً، ليس من شدة ضربها لي في استعلامات معتقل أبو غريب أول ما وطئت قدماي أرضه، بل لكونها عربية اللغة، لبنانية اللهجة، رغم تشكيكي بعروبة أصلها، فقد نلت على قدميها رفسات وركلات فاقت ما نلته على يد أعتى الجلادين فيما بعد، لا لسبب سوى لأنني سألتها أين أنا؟ فكانت متأمركة أكثر من الأميركيين أنفسهم، ولغتها العربية هي التي آلمتني أكثر من ضرباتها وركلاتها التي أنستني يوم مولدي لشدتها وتركيزها، فحقدت على جنس النساء بحقدي عليها، لكنني وحينما تذكرت زوجتي التي كانت تسارع إلى تجهيز إناء كبير مملوء بالماء وممزوج بالملح لأضع فيه قَدَمَيَّ المتورمتين من مشاق يوم مضنٍ ومتعب في الأيام الأولى للاحتلال، فتدلكهما، فيذهب التعب كله بذهاب رائحة أقدامي العطرة، عدت وهونت الأمر على حالي وقلت، لسنَ كل النساء نساء. كرهت النساء وما عدت أهضم وجودهن في حياتي بعد مشاهدتي لعدد من المجندات وهن يستهزئن بعباءة أمي ويسخرن من عصابة رأسها يوم داهمت قوة محتلة دارنا بحثاً عن أسلحة مخبأة، فقد وجدن في عباءة أمي وعصابة رأسها قمة التخلف، فرحن يضحكن باستهزاء على أمي، التي ظنت أنهن معجبات بما كانت ترتديه وخشيت أن يقمن بسرقتها، فراحت تضع إحدى يديها على رأسها حماية لعصابتها والأخرى تمسك بها عباءتها بقوة خشية فقدانها، لكنني وحينما استذكرت العراقيتين البطلتين اللتين نفذتا أول عملية استشهادية ضد قوات الاحتلال الأميركي في العراق على سد حديثة بغرب العراق اهتز كياني ولم تعد النساء في قاموسي شراً مستطيراً، كتلك المترجمة التي ركلتني لدرجة كادت أن تفقدني صوابي، أو كاللواتي يسخرن من أمي، فالنساء الحقيقيات هن اللواتي تمثلهن العراقيتان اللتان جعلتا العالم أجمعه يهتز لما قامتا به، حينما تقدمتا من موقع عسكري أمريكي على جسر السد، وصرخت إحداهن من السيارة طالبة النجدة والإسعاف لزميلتها الحامل، وما أن اقترب جنود الاحتلال منهما، حتي فجرتا السيارة مع نفسيهما بتجمع لجنود الاحتلال وأحدثتا نكاية كبيرة بهم، وسجلتا مأثرة بطولية عراقية، فكانت تلك العملية النسائية التي كانت الأولى من نوعها شرارة المقاومة والجهاد في بلاد الرافدين. كرهت النساء لكرهي محققتي الأميركية المطعمة بنظرات عيون يهودية وخصال مليشياوية، والتي حاولت استنطاقي، وسحب اعترافات مني بطرق بشعة أهونها وأخفها وأبسطها إطلاق الكلاب عليّ وأنا مقيد اليدين والقدمين إلى كرسي حاولت أن أجعل منه درعاً اتقي به عضات كلبيها، الأسود والبني، ذوات اللعاب الغزير واللسان الطويل والأسنان الناصعة البياض. لكنني عاودت النظر في الموضوع بعد استذكاري تلك الأم المسكينة في محاجر أبو غريب، وهم يحضرون طفلتها الصغيرة، ذات الأحد عشر ربيعاً فقط، ليغتصبوها أمام أنظار أمها وأنظاري، ومن معي من المعتقلين، رغم توسلات أمها أن يفعلوها معها حماية لابنتها، ففعلها أربعة من الوحوش الكاسرة للجيش المحتل مع الأم، ولكن بعد أن فعلوها مع صغيرتها التي نهضت بعد جريمتهم واقفة على رجليها مستغربة بكاء أمها وعويلها سائلة إياها، عن سبب بكائها، قائلة لها وببراءة الأطفال، أماه، لماذا تبكين، هل مات أبي؟ قبل أن تجيبها الأم المفجوعة بنفسها، وبصغيرتها: أيا ليته مات !! العالم كان قد أحتفل قبل أيام بيوم المرأة العالمي، ولم يفرق في احتفاله بين امرأة وأخرى، لم يفرق بين أنكز المجرمة وبين عبير التي هتك عرضها، لم يفرق بين جانيت الوضيعة وبين الأم المغتصبة مع طفلتها! احتفل العالم بأسره بيوم تلك المترجمة ويوم تلك المجندة، لكن أحداً لم يحتفل بيوم تلك العراقية التي ذبحها المحتل بغير سكين، لم يكتف العالم بالاحتفال بيوم أولئك المجرمات، بل راح يتباكى على مجندات قتلن في العراق، قتلن وهن يحاولن إذلال شعب وإهانة أمة، يحتفل العالم بنساء كاسيات عاريات، ويتجاهل نساء مجاهدات صابرات، يحتفل العالم بالظالمات، لكنه يتجاهل المظلومات، فلبئس اليوم هو، وبئس الاحتفال هو، احتفال لا يفرق بين الضحية والجلاد، ولا بين القاتل والمقتول، ولا بين الخاطف والمخطوف، ولا بين الظالم والمظلوم، فمالكم لا تفقهون؟!!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها | |
|